#Art World #Topics

الخزف الإسلامي

الخزف الأندلسي المزجج بالقصدير مع زخرفة lusterware، من اسبانيا، حوالي 1475.

ولما انتهى عصر الفتوح الإسلامية واستقر المسلمون في البلاد المفتوحة وأخذوا عنها ثقافتها ألفوا أنفسهم في صناعة الفخار الوارثين لتقاليد خمسة في هذا الفن هي التقاليد المصرية، والإغريقية-الرومانية، والعراقية، والفارسية، والصينية. ونقول الصينية لأن سار Sarre، كشف في سر من رأى فخاراً من عهد أسرة تانج ومعه قطعة من الخزف الصيني الرقيق؛ وكانت الأواني الفارسية-الإسلامية في عهدها الأول منقولة نقلاً لا خفاء فيه عن نماذج صينية. ونشأت مراكز صناعة الفخار في بغداد وسامرا ، والري، وكثير غيرها من البلدان. ولم يحل القرن العاشر الميلادي حتى كان صانعوا الفخار من الفرس يصنعون كل أنواع الآنية الفخارية ما عدا الخزف الصيني، ويصنعونه في الشكل لا حصر لها تبدأ من المباصق اليدوية الصغيرة إلى المزهريات الضخمة المهولة، التي تتسع في القليل لأحد “الأربعين حرامي” ويتبين الإنسان من خير المصنوعات الفخارية الفارسية دقة التصوير، وبراعة في التلوين، وحذقاً في الصناعة لا تسمو عليها إلا الصناعتان الصينية واليابانية؛ وظلت ستة قرون لا تضارعها صناعة أخرى في جميع الأقاليم الممتدة جنوب هضبة پامير وغربها. وكان هذا الفن من أحب الفنون إلى الفرس وأكثرها مواءمة لهم؛ وكان أهل الطبقة العليا منهم يحرصون أشد الحرص على جميع روائعه، وكثيراً ما أخذ عنه الشعراء أمثال أبي العلاء المعري وعمر الخيام تشبيهات واستعارات في أقوالهم الفلسفية. ويحدثنا الكتاب عن مأدبة أقيمت في القرن التاسع ارتجلت فيها قصائد، وأهديت إلى الآنية التي كانت تزدان بها المائدة.

وقد امتاز صانعو الفخار في سامرا وبغداد في ذلك القرن بصنع الفخار اللامع أو لعلهم هم ابتدعوه ابتداعاً. وكانت النقوش التي تحليه ترسم بأكسيد معدني على طبقة من الطين المزجج، ثم يعرض الإناء بعدئذ إلى نار ثانية مدخنة مكتومة تحول الصبغة إلى طبقة معدنية رقيقة، وتكسب الطلاء بريقاً متعدد الألوان. وبهذه الطريقة أخرج الصناع أواني ذات لون واحد جميل، وأخرى ذات ألوان متعددة أجمل منها خضراء ذهبية، وبنية داكنة، وصفراء، وحمراء، تتدرج بعضها تدرجاً لا يكاد الإنسان يحسه ولا تقل عن المائة عداً وكذلك طبق هذا الفن نفسه فن الطلاء البراق على قطع القرميد التي كانت تستخدم للزينة في فن العراق القديم، فكانت ألوان هذه المربعات الكثيرة وما تتألف منها من وحدات متناسقة مما أكسب مداخل مئات المساجد ومحاريبها وكثيراً من جدران قصور العظماء روعة منقطعة النظير. وورث المسلمون في صناعة الزجاج-وهو الفن الشديد الاتصال بصناعة الفخار-كل ما امتاز به أهل مصر والشام من حذق وبراعة، فقد لونوا المصابيح بظلال من الألوان البراقة المتعددة، وزينوها بالرصائع والنقوش، ورسوم النبات والأزهار؛ ولعل أهل الشام قد ابتدعوا في ذلك الوقت فن طلاء الزجاج بالميناء، وهو الفن الذي بلغ ذروة مجده في القرن الثالث عشر.

التصوير الإسلامي

وإذا ما ذكرنا سعة انتشار فني التصوير والنحت في الكنائس الكاثوليكية الكبرى وهي التي لا تكاد تخلو من آثارهِ واحدة منها، وذكرنا في الوقت نفسه أهمية هذين الفنية في نشر العقائد والقصص المسيحية، إذا ما ذكرنا هذا وذاك دهشنا لعدم وجود نظيريهما في الإسلام. نعم إن القرآن قد حرم النحت (سورة المائدة الآية 89) ولكنه لم يقل شيئاً عن التصوير، غير أن حديثاً يعزى إلى عائشة يقول إن النبي قد نهى أيضاً عنه(139). ولهذا فإن الشريعة الإسلامية عند الشيعة وعند أهل السنة على السواء تحريم التصوير وإقامة التماثيل جميعاً. ولهذا التحريم نظير في الوصية الثانية وفي التعاليم اليهودية. ولعل من أسباب هذا التحريم الاعتقاد أن الفنان حين يخرج مثالاً للكائنات الحية إنما يدعي لنفسهِ ما هو حقوق الخالق جل جلاله. ومن علماء الدين من يتساهلون في هذا فيجيزون تصوير الجماد. ومنهم من يتغاضون عن تصوير الحيوان أو الإنسان على الأشياء التي لا تستعمل إلا في الأغراض الدنيوية. وكان بعض خلفاء بني أمية لا يعبئون قط بهذا التحريم؛ وشاهد ذلك الوليد الأول زين قصره الصيفي في قصير عمرة حوالي عام 712 بمظلمات هلنستية صور فيها رجالاً يطاردون الوحوش. وبنات يرقصن، ونساء يغتسلن، وهو جالس فوق عرشه يشاهد هذا كله(140). وكان خلفاء بني العباس يجهرون بتقواهم، ولكن كانت لهم قصور حوت في حجراتهم الخاصة جدراناً مزينة بالصور؛ وقد استأجر المعتصم فنانين، أغلب الظن أنهم مسيحيون، ليصوروا على جدران قصرهِ في سامرا مناظر صيد. ورجال دين، وبنات عاريات يرقصن؛ وأجاز المتوكل، وهو الذي كان يضطهد الملحدين، المصورين من أهل بيزنطية أن يضيفوا إلى هذه المظلمات مظلماً آخر يمثل رهباناً مسيحيين وكنيسة مسيحية(141).

وزين محمود الغزنوي قصره بصور تمثله هو وجيوشه، وفيلته؛ وغطى ابن مسعود، قبل أن يخلعه الأتراك السلاجقة عن عرشهِ بزمن قليل، جدران حجرات قصره في هراة بمناظر قائمة على أسس مأخوذة من كتب الفن الشهواني الفارسي أو الهندي(142). وتروي إحدى القصص أن اثنين من رجال الفن أخذا يتباريان في بيت أحذ الوزراء في التصوير الواقعي؛ فعرض أحدهما أن يصور فتاة راقصة تبدو كأنها خارجة من باطن الجدار؛ وعرض الثاني أن يقوم بعمل أشق من هذا-وهو أن يصورها بحيث تبدو وهي تهم بدخول الجدار. ونجح كلاهما في إبراز فكرته نجاحاً حمل الوزير على أن يخلع عليهما خلعاً سنية ويهبهما كثيراً من الذهب(143). وفي وسعنا أن نذكر كثيراً من الشواهد الدالة على أن المسلمين قد خالفوا أمر التحريم؛ وحسبنا أن نقول إنا نجد في بلاد الفرس بنوع خاص حيوانات وأناسي مصورة بكثرة يطرب لها الرائي، وممثلة بجميع أنواع فنون التصوير. ولكن التحريم رغم هذا كله، يؤيده الشعب تأييداً وصل من القوة إلى درجة أن كان بعض أفراده يشوهون روائع الفن أو يتلفونها، قد عاق نمو فن التصوير الإسلامي، حتى اقتصر الكثير منه على التحلية المجردة، وكاد يمنع تصوير الأشخاص (وإن كنا نسمع عن وجود أربعين صورة لابن سينا)، وترك الفنانين يعتمدون كل الاعتماد على مناصرة الملوك أو الأشراف.

المنمنمات وتزيين المخطوطات

المخطوطات المصورة

ولم يبقَ من صور الجدران في ذلك العصر إلا صور قصير عمرة؛ وهي تكشف عن خليط غريب مجدب من القواعد الفنية البيزنطية والأنماط الساسانية. وكأن المسامين أرادوا أن يعوضوا هذا النقص فارتفعوا بالرسوم الصغرى على العاج ومثله إلى درجة الجمال لا تعلوا عليها درجة أخرى في التاريخ كله. وقد وجد هذا الفن تراثاً متعدد الأنماط بنى عليه، وأخرج منه ثماراً مختلفة، ونعني بذلك التراث البيزنطي، الساساني، والصيني؛ وكان تزيين المخطوطات الإسلامية بالرسوم الصغيرة في العصور الوسطى فناً اختصت به طبقات الأشراف القليلة العدد، شأنه في هذا شأن موسيقى الحجرات في أوربا الحديثة؛ فقد كان الأغنياء وحدهم هم الذين يستطيعون الاحتفاظ بالفنان الفقير المخلص لفنه فقراً وإخلاصاً أنتجا هذه الروائع التي تتطلب كثيراً من الجهد والأناة. وهنا أيضاً أخضع التزيين تمثيل الكائنات الحية لسلطانه؛ فأغفل الفنان عن قصد قواعد المنظور، وخرج على الشكل الذي اتخذ أنموذجاً له، فكان يعمد إلى موضوع أو شكل مركزي-قد يكون شكلاً هندسياً أو زهرة واحدة-ويتبسط فيه ويتوسع ويخلق منه مائة صورة مختلفة حتى لتكاد كل إصبع من الصفحة بما في ذلك إطارها تمتلئ بالخطوط المرسومة بدقة متناهية كأنها قد حفرت حفراً. وكان في وسع الفنان أن يزين الكتب غير الدينية بصور الرجال والنساء والحيوان، في مناظر الصيد واللهو والحب، ولكن طراز التزيين كان هو بعينهِ على الدوام، كان هو الصورة المكونة من خطوط دقيقة، ومن ألوان مؤتلفة منسجمة يفنى بعضها بعض، ومن المجرد الهادئ البالغ أقصى درجات الكمال، والذي يهدف إلى متعة العقل المطمئن المستريح.

الخط العربي

خط نسخ تعليق فارسي
خط ديواني
خط ديواني جلي

وكان الخط العربي الجميل جزءاً لا يتجزأ من فن التنميق؛ ولسنا نجد مثالاً آخر لاجتماع الكتابة والتصوير تآخيهما على هذا النحو إلا في بلاد الصين البعيدة. لقد كانت الحروف الكوفية في موطنها الأول، بلدة الكوفة نفسها، حروفاً سمجة ذات زوايا، وأركان محددة فجة، ولكن الخطاط كسا هذه العظام العجاف بالحركات وعلامات الإمالة والنقط وحروف المد ورسوم صغير متخذة من أوراق النبات؛ فلما ارتقى الخط الكوفي إلى هذه الدرجة من الجمال أصبح كثير الاستعمال في تزيين المباني نفسها. أما الكتابة الدارجة فكان الخط النسخ فيها أكثر جاذبية من الخط الكوفي؛ وكانت حروفه المستديرة وكان امتداد الأفقي المتعرج كان هذان في حد ذاتهم وسيلة للزينة في غنى عن الإضافات الأخرى. وليس في خطوط العالم كله سواء كانت مكتوبة باليد أو مطبوعة ما يضارع هذا الخط في جمالهِ؛ ولم يحل القرن العشرين حتى كانت الغلبة على الخط الكوفي في تزيين المباني أو الخزف، والكثرة الغالبة من الكبت الإسلامية التي وصلت إلينا من العصور الوسطى مكتوبة بخط النسخ؛ ومعظم هذه من المصاحف لأن كتابة القرآن كانت في حد ذاتها من الأعمال الصالحة التي يثاب عليها صاحبها؛ وكان تزيينها بالصور تعد انتهاكاً لحرمتها، ولكن كتابتها بالخط الجميل كانت تعد من أشرف الفنون. وبينما كان رسامو الصور الصغيرة على العاج أو غيره صناعاً يستأجرون بأجر قليل، كان الخطاطون يبحث عنهم في جميع أنحاء البلاد ويغدق عليهم الملوك والأمراء الهدايا والأموال، وكان منهم هم أنفسهم ملوك وساسة. وكانت الرقعة المكتوبة بيد أحد هؤلاء الفانين كنزاً لا يقدر بمال، وكان في البلاد منذ القرن العاشر طائفة من المولعين بجمع الكتب يعيشون ويتحركون ويقضون حياتهم كلها بين ما جمعوه من المخطوطات الجميلة المكتبة على الرق بالمداد الأسود، والأزرق، والبنفسجي، والأحمر، وبالذهب الإبريز. ولم يصل لنا إلا عدد قليل من كتب ذلك العصر، وأقدمها كلها نسخة من القرآن موجودة في دائرة الكتب المصرية بالقاهرة يرجع تاريخها إلى عام 784. وإذا ذكرنا بعد ذلك أن هذه الكتب كانت تجلد بأعظم أنواع الجلد ليناً ومتانة، وأنه قد بذل في تجليدها من حسن الذوق ومن المهارة ما لا زيادة بعده لمستزيد، وأن الجلد المغلفة به كان في كثير من الأحيان يزدان بأجمل الرسوم وأدقها، إذا ذكرنا هذا حق لنا أن نقول دون أن نتهم بالمغالاة إن الكتب الإسلامية من بداية القرن التاسع إلى القرن الثاني عشر هي أجمل ما رأته العين من الكتب في العالم كله. وهل منا من لا يطمع في أن تنشر كتبه بهذا الرونق وتلك الفخامة؟

المنسوجات الإسلامية

الطنافس الإسلامية

من خيوط الغزل إلى الألوان في السجاد الفارسي، فإن كل جزء يـُصنع بعناية يدوياً من مكونات طبيعية على مدى عدة شهور.

وقد اجتمعت الفنون كلها في تزيين الحياة الإسلامية والسمو بها إلى ذروة الجمال، فامتزجت أشكال الرسوم الدقيقة بالخط الجميل في المنسوجات، وطبعت بالنار على الفخار؛ وأقيمت على مداخل المباني والمحاريب. وإذا كانت حضارة العصور الوسطى لم تفرق بين الصانع الماهر والفنان، فلم يكن ذلك ليحط من شأن الفنان، بل كان يرفع من قدر الصانع الماهر، وكان الهدف الذي تبتغيه كل صناعة أن تصبح فناً من الفنون الجميلة. لقد كان الناسخ يخرج منسوجات عادية يستعملها عامة الناس وتبلى بعد قليل، مثله في هذا كمثل صانع الفخار سواء بسواء؛ ولكنه كان في بعض الأحيان يعبر عن حذقه وصبره، كما يصور أحلامه، في الأثواب، والسجف، والطنافس، وأغطية الفراش، والنسيج المطرز، الحرير المشجر، يخرجه ليبقى عدة أجيال وقد أبدع نقشه، وصبغه بالألوان الزاهية المحبوبة في بلاد الشرق. لقد كانت المنسوجات البيزنطية، والقبطية، والساسانية، والصينية ذائعة الصيت حين فتح المسلمون بلاد الشام، وفارس، ومصر، والتركستان؛ وما اسرع ما تعلم المسلمون صناعات تلك البلاد، فلم يمضِ إلا قليل من الوقت حتى أخرجت المصانع الإسلامية المنسوجات الحريرية التي نهى النبي عن لبسها، وأخرجتها بكثرة، ولبسها النساء والرجال وهم يدعون الله أن يغفر لهم خطاياهم الجسمية والروحية. وكانت حلة الشرف أثمن ما يستطيع الخليفة أن يخلعه على من يؤدي له خدمة جليلة؛ وسرعان ما أصبح المسلمون كبار تجار الحرير في العالم كله في العصور الوسطى. وكانت أقمشة التفتاه الحريرية تبتاع لملابس السيدات غي أوربا، واشتهرت شيراز بالأقمشة الصوفية، كما اشتهرت بغداد بأقمشة الستائر، والمظلات، والحرير المموج، وخوزستان بالأقمشة المنسوجة من وبر الجمال وشعر الماعز، وخراسان بأغطية الهوادج، وصور بالطنافس، وبخارى بسجاجيد الصلاة، وهراة بالحرير المنقوش بخيوط الذهب. ولقد عدا الدهر على هذا كله فلم يبقَ لنا منه مثال واحد، وكل ما نستطيعه هو أن نتصور ما كانت عليه هذه المنسوجات من الرونق والفخامة بالنظر إلى ما كان منها في القرون التالية، وبدراسة ما وصفها به الكتاب المعاصرون لها. وقد وجدت في المحفوظات الباقية من أيام هارون الرشيد مذكرة جاء فيها “400.000 قطعة من الذهب ثمن حلة وهبت لجعفر بن يحيى الوزير“.

أشكال الفن الإسلامي

كان معظم الفن الإسلامي خلال التاريخ الإسلامي عبارة عن فن تجريدي، ممثلا بالأشكال الهندسية، الزهور والأربسك وفنون الخط العربي. على عكس الإتجاه السائد في الفنون المسيحية التي تستخدم رسوم الأشخاص بشكل كبير، لا يشتمل الفن الإسلامي على الكثير من الرسوم لبشر، بما في ذلك رسول الإسلام محمد، وذلك يعود للإعتقاد الإسلامي المبكر بأن ذلك شكل من التمثيل يعود بالناس إلى الوثنية وعبادة الأصنام، وبذلك إبتعد الإسلام عن تمثيل الشخصيات الدينية على شكل أيقونات. وفي خلال القرنين الماضيين، إنتشر فن رسوم الأشخاص بحيث أصبح هذا المنع أقل شدّة لدرجة أن فقط قلة من المسلمين المتزمتين يعارضون فن رسوم الأشخاص.

يدور الفن الإسلامي بشكل خاص حول فكرة الله، ولأن الله لا يمكن تمثيله، فإن الفن الإسلامي توجه للأشكال الهندسية الجميلة والمعقدة، والشبيهة بما يعرف اليوم بالأرابسك، والتي تشتمل على تصميمات أشكال هندسية متكررة ومتداخلة، ولكنها لا تعبر بالضرورة عن الكمال في النظام وفي الطبيعة.

الموقع: المعرفة

الرابط :  https://m.marefa.org/%D9%81%D9%86_%D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A

الخزف الإسلامي

الخزف الإسلامي

الخزف الإسلامي

الخزف الصيني

Leave a comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *